تمدد الأبهر الصدري البطني : مرض قاتل و جراحة جد معقدة / العملية الاخطبوط، نبذة عن الجراحة
Anévrisme thoraco-abdominal : Debranching-OP

بقلم د. حميد شنان

سبق وتطرقنا إلى مشكل التمددات الأبهرية الصدرية و البطنية كحالات متفردة، لكن في العديد من الحالات، يشكو المريض من التمدد الشرياني في الأبهر بشكل كامل، و هو مايعد مشكلا وعائيا يؤرق جراحي الأوعية.
في هذه المقالة الصغيرة، سنقوم بلمحة سريعة عن كيفية العلاج الجراحي لهذا النوع من الأمراض الخطيرة جدا و الشائعة للأسف.
يعد تمدد الشريان الأبهر في الصدر و البطن أحد أعتى أمراض الجراحة الوعائية والتي تقود للأسف إلى الوفاة في حال عدم وجود علاج جراحي، الذي بدوره يعد معقدا في ظل المعطيات التشريحية للمرض و كذا مدى وجود مشاكل صحية متزامنة مع المرض، كداء الفشل الكلوي أو تصلب الشرايين التاجية للقلب.
يتميز تمدد الأبهر الصدري البطني (thoraco-abdominal) بأشكاله المثيرة بفعل ارتفاع الضغط المزمن وكذا تأثر جدار الأبهر الذي يصبح – بفعل التصلب – أكثر تليف و أقل مرونة و بالتالي أكثر عرضة للتمدد و التمزق.. هذا التطور يخلق صعوبة في العلاج الجراحي، إذ يمس التمدد أغلب الشرايين الناشئة من الأبهر (الشرايين الكلوية، المعوية و كذا شرايين النخاع الشوكي..) مما يوجب تعويض كل هذه الشرايين على حدة، الشيء الذي يطيل من مدة العملية الجراحية، و يضعف قدرة المريض و أعضائه على تحمل التخدير (خصوصا كبار السن) و أحيانا يزيد من خطر تعفن الأوعية الاصطناعية المستعملة… كل هذه العوامل، ألهمت جراحي الأوعية على ابتكار منطق جديد لعلاج هذا النوع من التمددات الأبهرية المعقدة، ألا وهو وضع لوغاريتم علاجي ينتهي بثلاث مراحل علاجية :

1- المرحلة الأولى : التعويض الجراحي للأبهر البطني بواسطة وعاء اصطناعي Y، مرحلة أولية سريعة، تدوم عموما ساعتين. يعتبر هذا النوع من العمليات مألوفا لدى أغلب جراحي الأوعية.
كالعادة، يلبث المريض بعد هذه العملية مدة 24 ساعة في قسم الإنعاش لمراقبة وظائف الجسم ( عمل الكلي، عضلة القلب، حركيّة الأمعاء بعد العملية وخصوصا مراقبة مدى تخثر الدم..)

2- المرحلة الثانية (أعقد مرحلة) : بعد المرحلة الأولى، يتم إعطاء المريض فترة راحة تدوم مابين 4 الى 5 أيام و بعد ذلك يقوم جراح الأوعية بالمرحلة الثانية وخلالها يقوم بفصل جميع الأوعية المتفرعة من الأبهر مافوق الوعاء Y المركب سابقا. ويتم ذلك عن طريق زرع وعاء اصطناعي Y معكوس في بدن الوعاء Y السابق، بحيث يتجه كل جدع من ال Y إلى شريان كلوي. بعد ذلك يتم زرع توصيلتين انطلاقا من بدن الوعاء Y الثاني إلى الشرايين المعوية (artère mésentérique sup / tronc cœliaque )، أحيانا يتم إعادة زرع الشريان المعوي الأسفل و كذا شرايين النخاع الشوكي.
وبهذا يتم تعويض كل الشرايين الناشئة من التمدد انطلاقا من وعاء اصطناعي غير مريض. وبذلك يكون للشريان المركب الجديد شكل الأخطبوط بأذرع صاعدة نحو الأعلى Octopus
هذه المرحلة هي الأعقد، و تدوم جراحيا من 3 إلى 4 ساعات.
ويعتمد نجاحها على مدى قدرة أعضاء المريض على تحمل قطع الدورة الدموية (temps de clampage ét ischémie ).
بعد هذه العملية، يمكث المريض في الإنعاش لمدة يومين، ويقوم طبيب الإنعاش بمراقبة المريض والتواصل المستمر مع جراح الأوعية المعالج.

3- المرحلة الثالثة و الأخيرة :
بعد فترة راحة تدوم من 3 إلى 4 أسابيع، يقوم جراح الأوعية في هذه المرحلة بفتح الشريان الفخدي، و إدخال دعامة من الحجم الكبير endoprothese de l’aorte thoracique، وتمريرها بدقة من الوعاء Y المركب في المرحلة الأولى و بذلك يتم فصل التمدد الأبهري عن الدورة الدموية بشكل كامل. تدوم الجراحة عموما ساعة أو ساعتين كأبعد تقدير.
بعد هذه المرحلة، يصعد المريض عموما مباشرة بعد العملية إلى قسم الجراحة الوعائية دون الحاجة إلى المكوث بالإنعاش.
يتم في نهاية المطاف عمل تصوير مقطعي بالصبغة الوعائية AngioTDM spiralé avec reconstruction لعمل تقييم نهائي لنتيجة الجراحة.
بعد فترة نقاهة وترويض وعائي réhabilitation et rééducation vasculaire، يتم مراجعة عيادة جراحة الأوعية بعد مضي ثلاث أشهر لإعادة تقييم النتيجة الجراحية بواسطة الفحص بالصدى الملون وكذا التصوير المقطعي AngioTDM.
تستمر المراقبة الدورية كل ستة أشهر غالبا بواسطة AngioTDM لمدة سنتين، بعد ذلك يتم الاكتفاء بالمراقبة السنوية.

يجب الإشارة إلى إمكانية تعويض التمدد الأورطي الصدري البطني بواسطة الدعامات المتفرعة endoprothese fenestrée وذلك في الحالات البسيطة جدا و الغير معقدة، لكن لهذا النوع من الجراحة الوعائية سلبيات خانقة أهمها الكلفة المالية الجد باهضة للدعامات المتفرعة المستعملة، فمثلا قد يصل الثمن الإجمالي للدعامات إلى 700.000 درهم مغربي أي 70 ألف أورو تقريبا، فضلا عن تكاليف الجراحة و الإنعاش الخ..

من خلال هذه النبذة الجراحية الخفيفة، يتضح بالملموس مدى صعوبة وتعقيد هذا النوع من الجراحة، فهو يتطلب جراح أوعية جد مختص و على قدر كافي من الخبرة الوعائية، و كذا فريق خاص بالجراح متكون من طبيب تخدير جد متمرس و ليس مبتدأ، فتثبيت الضغط الشرياني خلال العمليات شرط حاسم للنجاح، وكذا تقني الدورة الدموية الخارجية perfusionniste في حال اللجوء إلى تقنية cell saver لتفادي نقل دم خارجي للمريض، هذا بالإضافة إلى مساعدين جراحيين أكفاء..
يتم هذا النوع من العمليات في قاعة عمليات خاصة بالجراحة الوعائية الهجينة chirurgie vasculaire hybride.

وفي النهاية، يجب تحسيس كل العاملين في مجال أمراض القلب و الأوعية ، من أطباء القلب وأطباء عامين وحتى أطباء الفحص بالأشعة بل ومواطنين و جمعيات المجتمع المدني بخطورة هذا النوع من الأمراض و ضرورة الكشف و المتابعة الدورية لدى جراح الأوعية، الوحيد القادر على الحسم في موعد الجراحة و نوعها،  إنقاذا لحياة المريض.