التهاب الشريان الصدغي
التهاب الشريان الصدغي: داء بخطر وعائي و عيني.
Artérite temporale à cellules géantes Horton : vascularite á risque vasculaire et oculaire
Chirurgie vasculaire & Angiologie
بقلم د. حميد شنان
الدورية :
ينتمي التهاب الشريان الصدغي (Maladie d’Horton ou artérite temporale á cellules géantes) إلى مجموعة أمراض التهابات الأوعية الدموية الكبيرة و المتوسطةVascularites) ) وعلى الرغم من تسميته هذه، فهو لا يصيب الشرايين الصدغية فقط، و يصيب على الخصوص شرايين العنق والرقبة وكذا الشريان الأورطي الصدري (aorote thoracique et ses branches). عموما، يسبِّب هذا الداء التهاب شرايين فروة الرأس والعنق والذراعين، ويؤدي إلى تضييق الشرايين مما يعيق التدفُّقَ الطبيعي للدم. يحدث التهاب الشريان ذو الخلايا العملاقة بالترافق مع اضطراب آخر يُدعى ألم العضلات المتعدِّد الروماتزمي، وكلا الاضطرابين أكثر انتشاراً عند النساء منهما عند الرجال، وغالباً ما تصاب المريضات بعد عمر الخمسين سنة.
يستدل من المعطيات المتعلقة بانتشار هذا المرض في بلدان حوض المتوسط، كإيطاليا وإسبانيا، أنه يتم سنويا اكتشاف ما يقارب الـ 110 حالة جديدة لكل مليون مواطن، فوق جيل الـ 50 سنة. لكن هذه النسبة تقل عن نسبة الإصابة في دول شمال أوروبا لأسباب غير معروفة.
يعد التهاب الشرايين الصدغية أكثر انتشارا بين النساء. وإلى هذا الحين، يبقى سبب تطور المرض غير معروف. وحسب الاعتقاد السائد فإن السبب يجمع بين خليط من الميل الوراثي ومركب بيئي (قد يكون فيروس معين، أو عامل تلوثي آخر) وبين جيل المريض.
أعراض التهاب الشريان الصدغي:
قد تظهر أعراض التهاب الشريان الصدغي بشكل تدريجي أو فجائي. ويمكن تصنيف الأعراض السريرية الأساسية لأربع مجموعات:
- التهاب وعائي في شرايين الراس والرقبة (Vascularités) : يظهر كصداع مزمن في جوانب الرأس وأعراض إقفارية (Ischémie) وهي عبارة عن ظواهر ناجمة عن انخفاض إرواء (Perfusion) الدم لأعضاء أو أنسجة معينة، مما يؤدي لانخفاض في أدائها وحتى لتوقف الأداء وتلف الانسجة.
تظهر أعراض الالتهاب الوعائي، بالأساس :
- في العيون انخفاض في الرؤية حتى العمى التام، أو ازدواج الرؤية ( Diplopie)، وهنا يكمن الخطر الأول لهذا الداء، ألا و هو فقدان حاسة البصر، و ذلك في حالة عدم التشخيص الدقيق و العلاج السريع .
- في الدماغ نوبة إقفارية عابرة – (Transient ischemic attack accident ischémique transitoire) ، AIT أو شلل دماغي مؤقت). كما يمكن ملاحظة وجود دوخة غريبة متزامنة مع القيام بمجهود بواسطة الأطراف العلوية. وهذا مايعرف بمتلازمة سرقة الصبيب vol vertebro-sous clavier وهذا دليل خفي على وجود تضيق التهابي في شريان الطرف العلوي.
- في عضلات المضغ (آلام في منطقة الفك عند المضغ وتختفي عند التوقف عن المضغ) وفي أحيان نادرة، في اللسان أو في جلد فروة الرأس (ظهور آلام ومناطق نخر (Necrosis) في هذه الانسجة).
- أحيانا في الأطراف، وذلك بظهور عرج متقطع claudication intermittente des membres شبيه بذلك الذي نراه في تصلب الشرايين.
- التهاب وعائي في الشرايين الكبيرة في الصدر:
ينتج عن هذا الالتهاب حدوث تلفيات سميكة في عمق عضلات الجدار الوعائي، مما يؤدي إلى إضعاف هذا الجدار وفقدانه خاصية التمدد و التقلص، ومن هنا يمكن فهم خطر هذا الداء في تمدد الشرايين خصوصا الأبهر الصدري.
أيضاً نتيجة التليفات الالتهابية fibrose post-inflammatoire تظهر إصابات في صمام الأبهري (valve aortique)، و كل ما يمكن أن ينتج عن ذلك من مضاعفات قلبية. - أعراض جسدية عامة :
– ارتفاع حرارة غامض و بدون سبب؛
– الإنهاك و التعب رغم الراحة؛
– فقدان الشهية وفقدان الوزن.
- ألم العضلات الروماتزمي (Polymyalgia rheumatica).
وهو عبارة عن التهاب عضلي مزمن، غالبا مايصاحب الالتهابات الوعائية بصفة عامة.
هذا بالاضافة إلى وجود التهاب مزمن للمفاصل pseudopolyarthrite rhizomélique PPR مصاحب لأكثر من 40% من حالات التهاب الشريان الصدغي
في معظم الحالات يكون هناك مزيج مختلف من الأعراض المذكورة أعلاه. في أحيان قليلة يصيب المرض شرايين أخرى، مثل شرايين الأطراف السفلية، شرايين البطن وما إلى ذلك.
تشخيص التهاب الشريان الصدغي:
يتم تشخيص التهاب الشرايين الصدغية وفقا لأعراض المرض ونتائج فحص المريض. لدى جزء من المرضى، نجد في الفحص حساسية فوق الشرايين الصدغية، وأحيانا يمكن تحسس شرايين صدغية ثخينة.
– تحاليل مختبرية : لا توجد فحوصات دم يمكن القول عنها أنها مشخصة لالتهاب الشرايين الصدغية. بالرغم من أن فحوصات الدم تُظهر بشكل عام أعراضا تدل على وجود عملية التهابية (زيادة في معدل ترسب كريات الدم الحمراء (ESR), ارتفاع مستوى بروتين يدعى CRP فقر دم خفيف وما إلى ذلك) إلا أن هذه الأعراض ليست خاصة بالتهاب الشرايين الصدغية، ولذلك فإنها لا تساهم في التمييز بين التهاب الشرايين الصدغية، وبين أمراض التهابية أخرى.
وفيما يلي بعض أعراض الالتهاب في التحاليل :
▪ ارتفاع سرعة ترسب الدم VS Vitesse de sédimentation ؛
▪ ارتفاع مستوى CRP؛
▪ فقر دم طفيف anémie inflammatoire؛
▪ ارتفاع مستوى الصفائح الدموية thrombocytose؛
▪ ارتفاع مستوى بروتين التليف hyperfibrinogènemie.
فحوصات وعائية : مثل الفحص بالأمواج فوق الصوتية مع دوبلر (Doppler Ultrasound, Duplex) للشرايين الصدغية، هذا الفحص يمكن أن يساهم في التشخيص ، و ذلك بإثبات وجود علامات التهاب جدار الشريان الصدغي و كذا وجود تضيقات. يمكن هذا الفحص أيضاً من رسم خريطة تفصيلية عن مسار الشريان و التي تساعد كثيراً جراح الأوعية في القيام بأخد عينة جراحية من الشريان المريض.
– وسيلة التشخيص المتعارف عليها والأكثر وثوقا إلى حد الآن هي أخذ عينة جراحية biopsie de l’artère temporale من الشريان الصدغي وفحصها للكشف عن وجود الالتهاب. الشريان سطحي، ويتم أخذ العينة من المريض بعد إجراء تخدير موضعي. العملية الالتهابية في جدار الشريان ليست متواصلة، ومن الممكن وجود مقاطع غير مصابة بالالتهاب. لذلك، لن يتم لدى جزء من المرضى (بين 10%-20%) حدوث التهاب في المقطع الذي تم استخراجه بواسطة الجراحة. و من هنا تأتي أهمية الفحص بالصدى و عمل خريطة للشريان.
بعد جمع كل الدلائل السريرية، المختبرية و التصويرية، يتم تأكييد المرض ووضع خطة علاجية تحدد الأولويات حسب الخطورة. عادة مايتم التعاون مابين جراح الأوعية و مختبر الاستكشافات الوعائية وبين طبيب العيون و أخصائي المفاصل.
علاج التهاب الشريان الصدغي :
يعتمد علاج التهاب الشرايان الصدغي في أساسه على إعطاء أدوية من مجموعة الكورتيكوستيرويدات(corticosteroides) .عادة يتم البدء بإعطاء البريدنيزون (Prednisone) بجرعة تتراوح بين الـ 40-60 ملغم في اليوم. في الحالات التي تشمل أعراض إقفارية دماغية و كذا مشاكل الرؤية، من المعتاد إعطاء جرعات أكبر، وأحيانا إعطاء الكورتيكوسترويدات عن طريق الوريد خلال الأيام الأولى للعلاج methylprédnisolone en Bolus 1 gr /jour ..
تتلاشى أعراض التهاب الشرايين الصدغية عادة خلال بضعة أيام، ولكن يجب استكمال العلاج الدوائي لأن إيقافه قبل المدة المحددة قد يؤدي لتجدد الإصابة بالتهاب الشرايين الصدغية. يتم تقليل جرعة الدواء بالتدريج حتى التوقف التام عن إعطاء الدواء.
يستمر العلاج بمعدل ما يقارب الثلاث سنوات، ولكن هناك مرضى لا يمكن إيقاف علاجهم ويجب استمرار العلاج بجرعات منخفضة لفترة تمتد لسنين عديدة.
بسبب الجرعة الأولية المرتفعة ومدة العلاج الطويلة، تظهر الأعراض الجانبية المعروفة للكورتيكوستيرويدات في معظم المرضى. الشائعة بينها: زيادة الشهية مع ارتفاع الوزن، نقض التوازن في السكري وارتفاع ضغط الدم، كما يصبح المرضى أكثر عرضة للإصابة بالتعفنات وكذا هشاشة العظام (Osteoporosis). لهذا يستدعي العلاج والمراقبة صرامة كبيرة لتفادي معظم هذه المضاعفات الثانوية.
في حالة وجود إصابات وعائية، يقوم جراح الأوعية بعلاجها بالطريقة الأمثل. لذا، من الإجباري القيام بالفحوص الوعائية الدورية حسب الخطة الموضوعة من طرف الفريق المعالج باستشارة جراح الأوعية.
المراقبة:
بعد تشخيص المرض و تأكييده بواسطة فحص العينة الجراحية biopsie temporale، يتم القيام بعرض المريض على :
– طبيب العيون، الذي يقوم بفحص العين و تحديد الخسائر و كذا اقتراح العلاج المناسب لها؛
– جراح الأوعية : الذي يكمن دوره في مايلي :
▪ تقييم عام لكل شرايين الجسم و تحديد المشاكل، خصوصا شرايين الرقبة و الصدر، وذلك بواسطة قيامه بفحص الأوعية بالصدى الملون و الكشف عن التضيقات و التمددات الوعائية، و بذلك القيام بالتخطيط للعلاج تفاديا للمضاعفات.
▪ فحص الشرايين الصدغية artères temporales و القيام بجراحة لأخد عينة، وهذا حاسم جداً في تشخيص المرض.
▪ المتابعة الدورية الطويلة المدى للمرض بتعاون مع طبيب العيون و أخصائي المفاصل.